الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية قراءة قانونية في حادثة انتحار الفتاة منار شنقا

نشر في  02 ماي 2018  (11:44)

بقلم المستشار القانوني عصام الدين قمودي

"منار" تلميذة بالتعليم الأساسي تبلغ من العمر 13 سنة  تعرضت  للاعتداء بالعنف و تم افتكاك هاتفها من طرف عدد من المراهقين، الذين وثقوا الحادثة و قاموا بنشر مقطع الفيديو على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” ، لم تتحمل نشر الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي و قررت وضع حد لحياتها.

وأكدت أستاذة التلميذة، في تصريح لإذاعة “موزاييك” أنها فارقت الحياة صباح يوم 27/04/2018 في قسم الإنعاش بالمستشفى الجهوي بقبلي ، مشيرة الى أنها حاولت في وقت سابق الانتحار عبر شرب الأدوية، وتم إنقاذها، كما خضعت إلى متابعة نفسية و شددت ،على أن المتوفية كانت أفضل تلميذاتها ، مؤكدة أن “نوارة القسم” رحلت بسبب طيش عدد من المراهقين.

على عكس الأستاذة لا أعتقد أن طيش مجموعة من المراهقين هو السبب وراء فقدان "منار" لحياتها ، بل هو عيشها في مجتمع ذكوري ينظر للضحية بعين اللوم و الاشمئزاز ، يمكنك ادراك ذلك عبر تأمل التعليقات  في شبكة التواصل الاجتماعي التي راوحت بين التنظير الأخلاقوي، وخلق تبرير لعمل وحشي كهذا و حتى ان  البعض قد ذهب الى لوم و محاسبة الضحية.

 ليست منار الوحيدة التي عانت قبل ان تقرر ان ليس لها في هذه الحياة امل ، فقد اصبحت وصمة عار متنقلة في مجتمع مريض، تعتبر جرائم الاغتصاب و الاعتداء بالفاحشة من اكثر الجرائم حدوثا في تونس، يزيد عدد هذه الجرائم بنسق تصاعدي متسارع، كشف تقرير سنة  2015 شهر فيفري الخاص بأحداث العنف المرتكبة في مختلف الولايات أعده المرصد الاجتماعي التونسي عن وقوع  72 حالة عنف طيلة الشهر المذكور منها 17 حالة اغتصاب من ضمن ضحاياها 8 أطفال.

  وتأتي الاعتداءات الجنسية والاغتصاب والتحرش الجنسي في طليعة أشكال العنف المرصودة إذ تم رصد 17 حالة اغتصاب وتحرشا جنسيا طيلة شهر فيفري أي ما يعادل حالة اغتصاب كل 48 ساعة و من ضمن هذه الحالات المرصودة اغتصاب لـ6 قاصرات وقاصرين دون سن 15 سنة.

 يبت القضاء التونسي في 8 قضايا متعلقة بالاغتصاب شهريا حيث تفيد إحصائيات نشرتها وزارة العدل بأن عدد القضايا والتي تم فصلها في جرائم الاغتصاب خلال السنة القضائية 2015-2016 بلغ 101 قضية اغتصاب أي بمعدل 8.4 قضية شهريا وأكد رئيس قسم الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول ورئيس وحدة الإنجاد منصف حمدون في تصريح لجريدة الشروق ، أن عدد ضحايا الاعتداء الجنسي فاق خلال سنة واحدة 800 حالة في الفترة الممتدة بين أفريل 2016 و أفريل 2017، توافدت على وحدة إنجاد الطب الشرعي الاستعجالي بشارل نيكول ووفقا  لحمدون فإن 65 بالمائة من حالات الاغتصاب المسجلة طالت أطفالا دون سن الـ 18 سنة و80 بالمائة منهم من الإناث.

الاغتصاب هو أكثر الجرائم التي لا يتم البلاغ عنها، وفقاً للرابطة الصحية الأمريكية نظراً لكون 95% من حالات الاعتداء الجنسي هي مرتكبة من قبل شخص معروف للمعتدى عليها، فإنه من غير المستغرب أن الضحايا يخافون من عواقب تقديم بلاغ على أشخاص يعرفونهم.

يصعب تحديد تعريف واضح للاغتصاب ، لكن المتفق عليه هو أنه اجبار على القيام بفعل جنسي عبر الإكراه  سواء كان إكراها ماديا أو معنويا ، يشمل الإكراه المادي كل أنواع العنف المادي و التهديد به  سواء كان الضحية نفسها أو نفسه محل العنف او أحد اقاربه او الاشخاص المهمين بالنسبة اليه، و يشمل الإكراه المعنوي كل استغلال لموقع قوة او سلطة معنوية.

تقوم جريمة الاغتصاب على عدة عناصر بوجودها نصبح امام جريمة بمقتضى القانون الجزائي التونسي ، العنصر الاول هو وجود إجبار أو استغلال لموقع قوة او نفوذ أي غياب ما يسمى بالرضا ، لهذا تعتبر مواقعة قاصر أقل من 13 سنة جريمة ذلك ان الرضا نابع من اهلية منعدمة كذلك يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عاما كامل وإذا كان سن المجني عليها فوق الخمسة عشر عاما ودون العشرين سنة كاملة فالعقاب يكون بالسجن مدة خمسة أعوام.

 العنصر الثاني هو وجود فعل جنسي، يمكن ان نجد تسميات عديدة لأفعال متعددة فالقانون التونسي على سبيل المثال لا يعتبر الجنس الشرجي دون رضا اغتصابا بل إعتداءا بالفاحشة لذلك السبب بالذات لا نجد في فقه القضاء التونسي ذكرا لجريمة  اغتصاب  ذكر.

يعاقب القانون الجزائي مرتكب جريمة الاغتصاب باستعمال العنف او السلاح او التهديد به، وجريمة اغتصاب قاصر أقل من عشر سنوات بالإعدام حسب الفصل 227 :

يعاقب بالإعدام

كل من واقع أنثى غصبا باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به

كل من واقع أنثى سنها دون العشرة أعوام كاملة ولو بدون استعمال الوسائل المذكورة.

«و يعاقب بالسجن بقية العمر كل من واقع أنثى بدون رضاها في غير الصور المتقدمة»

و يعتبر الرضا مفقودا إذا كان سن المجني عليها دون الثلاثة عشر عاما كاملة

نلاحظ هنا ان المشرع اعتبر العنف و السلاح و التهديد به و كذللك صغر سن الضحية موجبا للتشديد ، اما بالنسبة للاعتداء بالفاحشة فنجد تجريمها صلب الفصل 228 و 228 مكرر حيث نص الفصل 228  " يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من اعتدى بفعل الفاحشة على شخص ذكرا كان أو أنثى بدون رضاه  و يرفع العقاب إلى اثني عشر عاما إذا كان المجني عليه دون الثمانية عشر عاما كاملة ويكون العقاب بالسجن المؤبد إذا سبق أو صاحب الاعتداء بفعل الفاحشة في الصورة السابقة استعمال السلاح أو التهديد أو الاحتجاز أو نتج عنه جرح أو بتر عضو أو تشويه أو أي عمل آخر يجعل حياة المعتدى عليه في خطر " .

ونص الفصل 228 مكرر أن كل اعتداء بفعل الفاحشة بدون قوة على طفل لم يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما كاملة يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام والمحاولـة موجبة للعقـاب

إذن يمكن القول بشكل أولي أن الفعل مدان بطريقة كاملة لكن المشكل ليس في النظام القانوني بل في تعامل الضحية مع الوضع و تعامل المحيطين بالضحية معه  ، إثر التعرض لعملية اغتصاب أو اعتداء بالفاحشة يشعر الضحية برغبة في تناسي الوضع و محو أي دليل أو ذكرى للواقعة ، و هو ما لا يجب أن يحصل ، الأفضل هو التوجه لأقرب نقطة أمنية ، إذا تعذر ذلك ، فالأفضل المحافظة على الملابس التي كان الضحية يرتديها وقت حصول الواقعة ، الأفضل كذلك عدم الاستحمام أو  الاغتسال ليستطيع الطب الشرعي كتابة تقرير مفصل أو العثور على سوائل أو بصمات تركها المعتدي.

على الضحية التوجه لأقرب مركز أمن ، اذا كانت الضحية أنثى  و احست بالحرج ، فغالبا ما ستجد شرطية لتسجيل افادتها ، اذا. كانت مصابة اصابة بالغة فسيتم نقلها لتلقي العناية الطبية قبل أخذ افادتها و استخراج تسخير لعرضها على الطب الشرعي ، لا يجب على الضحية أن تعدل عن الابلاغ لمجرد صلة قرابة بينها و بين المعتدي فهذا يعتبر ضرف تشديد منصوص عليه صلب الفصل  229 :  " ويكون العقاب ضعف المقدار المستوجب إذا كان الفاعلون للجرائم المشار إليها بالفصل 227 مكرر و 228 و 228 مكرر من أصول المجني عليه من أي طبقة أو كانت لهم السلطة عليه أو كانوا معلميه أو خدمته أو أطباءه أو جراحيه أو أطباء للأسنان أو كان الاعتداء بإعانة عدة أشخاص. "